بحـث
المواضيع الأخيرة
التبادل الاعلاني
الموضوع : شبهات وأقاويل حول الحجاب
صفحة 1 من اصل 1
الموضوع : شبهات وأقاويل حول الحجاب
الموضوع : شبهات وأقاويل حول الحجاب
النص :
مقدمة
من المعلوم أن الصراع قائم بين ابن آدم والشيطان، وهو صراع قديم ومستمر
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشيطان يأتي الإنسان من مواطن الضعف
فيه فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى يستجيب، فيقع في المحظور. وقصة آدم
وحواء مع إبليس هي أول وأكبر دليل على ذلك، فتمثلت غوايته في كشف السوءات،
وهتك الأستار، وبذلك ينكشف لنا أن هذا هدف مقصود له لما يترتب عليه من
الأضرار الخطيرة كإشاعة الفاحشة، وحصول الخوف على الأعراض والأنفس، ومن ثم
حذرنا الله عز وجل من هذه الفتنة خاصة فقال جل وعلا: {يا بني ءادم لا
يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما
سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء
للذين لا يومنون} [الأعراف: 27].
ومن هنا يتبتن أن إبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات، وهو المؤسس الأول
لدعوة التبرج بدرجاتها المتفاوتة، بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس
الداعين إلى "تحرير المرأة" من الستر والصيانة والعفاف، الذين يبثون شبهات
التبرج والسفور التي يلقيها الشيطان في قلوبهم فينشرونها في طريق المسلمين
أشواكا تؤذي، وكلاليباً تخطف، يقع فريستها الكثير، فلا ينجو منها إلا من
رحم الله، وتسلح بسلاح العلم الشرعي وتزود بزاد التقوى.
وقبل أن أبدأ ببيان بعض هذه الشبه والعلائق الشيطانية والرد عليها وكشف
عورها، أجد من الجدير أن تذكر مفهوم الحجاب وما يضاده، فالحجاب هو (ستر
جسم المرأة وزينتها عن أنظار الرجال غير المححارم لها) وضده التبرج الذي
هو (إبداء المرأة زينتها ومحاسن جسمها، ويدخل في ذلك التكسر والتبختر في
المشية وإظهار الزينة المكتسبة، وقيل: إنها كل زينة تحلو المرأة
بإظهارها في أعين الرجال)، أما السفور فهو (كشف الوجه) وهو جزء من التبرج،
وعلى هذا فالحجاب يقابل التبرج بجميع صوره بما في ذلك السفور، وعموماً أي
زينة أخلت بشرط من شروط الحجاب تعتبر من التبرج المحرم. والتبرج متفق على
تحريمه في كل المذاهب وأقوال أهل العلم.
هناك شبه عامة وحجج واهية يتحجج بها أصحاب الأهواء والجهالات للتفلت من
بعض الأحكام والتنصل من تنفيذها، نبدأ بذكرها والرد عليها، ثم نذكر بعض
الشبه التي تتعلق بالحجاب الشرعي خاصة.
الشبهة الأولى:
قول البعض: (الدين يسر، ولبس الحجاب في هذا الزمن بطريقته المشروعة شيء صعب وشاق، خصوصاً في مجتمعات الانفتاح والتبرج).
والرد على هذه الشبهات من وجوه:
1- ينبغي أن يعلم أن كل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم.
2- أن تقرير خاصية التيسير للمشقة المرتبطة بالحكم ورفع الحرج لا يكون إلا
بأدلة شرعية من القرآن أو السنة، فلابد للتخفيف في الحكم الشرعي ألا يكون
مخالفاً لكتاب ولا سنة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
3- بناء على هذه الشبهة سيقال: إن مشقة التحرز من الربا في هذا العصر
تقتضي جواز التعامل به، أو يقال: إن الرجم يسقط عن الحاج لمشقة الزحام،
ومعلوم أن هذا كلام باطل لا يمكن أن يقال به.
4- أن العبادات لا تنفك عن المشقة غالباً غير أنها محتملة تتلاءم مع طاقة
الإنسان العادية، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} قال ابن
القيم: "إن كانت المشقة مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب ولا
راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة ".
ورب حكم شرعي مصلحته مرتبطة بما فيه من المشقة والجهد كالقصاص والحدود، بل
هناك عبادات عظيمة لا تنفك عنها المشقة عادة كمشقة الوضوء في البرد، ومشقة
الصوم في شدة الحر وطول النهار، وكمشقة أعمال الحج.
5- أن عموم البلوى بالأمر الذي ثبت تحريمه ليس مبرراً لإباحته كما لا تبيحه عادات المجتمعات، ولا ينقلب مباحاً بتغير الزمان والمكان.
وقد فهم بعض السذج مدعي الثقافة، أنه ما دامت أعراف الناس متطورة بتطور
الأزمان فلابد أن تكون الأحكام الشرعية متطورة بتطورها، وهذا ما يسمونه ب
(الدين العصري)، ومقتضى ذلك التحلل من الواجبات وإباحة بعض المحرمات،
تمشياً مع التقدم الحضاري والتطور العصري، كما يقول قائلهم.
ولا ريب أن هذا كلام يتبين سقوطه وبطلانه لمن كان عنده أدنى فقه في الدين،
إذ لو أن هذا الكلام مقبول لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهيناً
لأعراف الناس وعاداتهم التي لا يزال يطغى عليها الفساد والانحراف بمرور
الزمان، إذ لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه كما أخبر بذلك المصطفى صلى
الله عليه وسلم .
ولكن يقال: ما أبرم حكمه وثبت الأمر به بدليل شرعي فإن حكمه يبقى ما بقيت
الدنيا ولا يتبدل ولا يتطور، مثال ذلك الطهارة وأحكام الصلاة والقصاص
والحدود، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب واشتراط الولي للمرأة وما شابه
ذلك.
أما الأحكام التي لم يقض فيها بحكم مبرم شرعي، وإنما جعلت مرتبطة من أصلها
بما قد يتبدل من أعراف الناس ومصالحهم فهذا الذي يجوز أن يقال فيه (العادة
محكمة) مثال ذلك: ما تفرضه سنة الخلق وطبيعة الإنسان مما لا دخل للإرادة
والتكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس
ونحوها.
الشبهة الثانية:
أن يقال: أهم شيء سلامة النية، فتقول السافرة: أنا واثقة من نفسي وأنا لا أريد فتنة الرجل وقصدي سليم من كل ما يقال في التبرج وأهله.
والتعلل بسلامة النية مبرر يسمع دائمأ ممن تشبع قلبها بالشهوات والأهواء، ووقعت في المآثم، والرد عليها من وجوه:
1- أنها متعبدة لله عز وجل بالستر والحجاب الذي جاء الأمر به محكماً في
كتاب الله تعالى، فعليها أن تسمع وتطيع، بقطع النظر عن أي اعتبار آخر.
2- أن النية السليمة لا تبرر العمل المحرم كما لا تقلبه مباحاً، فالعمل
الخطأ يبقى خطأ يأثم فاعله، ولو مع سلامة النية، بدليل أن مشركي العرب
كانت نيتهم في عبادتهم الأوثان نية حسنة كما أخبر الله عز وجل عن قولهم
(ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فلم تنفعهم هذه النية في دفع وصف
الشرك عنهم.
3- أنها وإن أمنت الفتنة على نفسها- كما تدعى أنها واثقة من نفسها- فهي لا
تأمن الفتنة الحاصلة لمن نظر إليها، وهذا يغلب على الظن وقوعه؟ فتحمل وزر
فتنته وغوايته من حيث لا تشعر، ومن هنا قال العلماء: (من تحققت من نظر
أجنبي عنها يلزم ستر وجهها عنه، كانت معينة له على الحرام فتأثم).
4- ثم إنه يغتر ويتأثر بفعلها السفيهات وصغيرات السن، لاسيما إذا كانت في مقام القدوة كالأم والمعلمة.
5- وإن كانت النية الطيبة أمر مهم جداً في عمل الإنسان، ولكن لو اقتصر
عليها لكان كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد، إذ لا بد من
موافقة الشرع في ذلك.
الشبهة الثالثة:
أن تقول: أستحي من لبس الحجاب بصورته المطلوبة- من إدناء العباءة من الرأس وستر الوجه والأطراف.
- يقال لهذه المرأة: أهل المعاصي يتبجحون بمعاصيهم وتبرجهم، وأهل الحق
يستحيون مما هم عليه، والله إنها لمصيبة عظيمة تدل على غياب العزة بالدين
وضعف الولاء لله تعالى، فهذه هزيمة من الداخل، تلجأ فيها المرأة إلى لبس
ما يرغبه الناس ويحبونه، ولو خالف ما تعلم أنه من واجبات دينها ومن حق
ربها عليه.
وهذا نوع رياء- كما وصفه أهل العلم- رياء أهل الدنيا، وهو التجمل للناس والتحسن أمامهم بظاهر لا يرضي الله تعالى.
الشبهة الرابعة:
أن تقول السافرة: غطاء الوجه من أجل الحياء فقط وليس مطلوباً في الدين.
وهنا يقال لها: أو تظنين الحياء ليس ديناً؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والحياء شعبة من شعب الإيمان ".
فالحياء خلق إيماني يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفاً من الله تعالى،
وهو رأس كل الفضائل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"
وقال: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة".
فبين الذنوب وبين قلة الحياء تلازم من الطرفين،وكل منهما يستدعي الآخر
ويطلبه حثيثاً، ولقد أبرز القرآن الكريم خلق الحياء في ابنتي الرجل الصالح
في قوله تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}، قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه: (ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة، قد وضعت
كم درعها على وجهها استحياء) والسلفع المرأة السليطة الجريئة. فلذلك وجب
على المسلمين أن يعودوا بناتهم على الحياء، والتخلق بهذا الخلق الذي
اختاره الله تعالى لدينه القويم؛ لأن عدم الحياء علامة على زوال الإيمان.
الشبهة الخامسة:
يطلق بعض أنصار السفور والتبرج على الحجاب والستر الكامل بعض الأوصاف
والأراجيف، الهدف منها تنفير المسلمات منه، وترسيخ روح الاشمئزاز
والكراهية من التجلبب والعفاف، منها قولهم:
1- أنه يسهل عملية إخفاء الشخصية، وقد يتستر وراءه بعض النساء اللواتي
يقترفن الفواحش ويتعاطين الآثام، فأصبح عندهم الحجاب بصورته الشرعية
مشبوهاً وعرضة للتهمة.
الرد على هذه الشبهة:
قبل أن نجيب على هؤلاء نذكرهم بقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين
والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما ميينا} [الأحزاب:
58] ثم يجاب على هذا الإرجاف بأنه لا يمكن بأي حال أن يسوقنا هذا التخوف
المحتمل من سوء استخدام الغطاء والحجاب واستغلاله في الأغراض المحرمة إلى
أن نتخفى عن أمر أمرنا الله عز وجل به.
وإذا حاولت فاسقة مستهترة أن تواري عن أعين الناس صنيعها بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة، فما ذنب الحجاب؟
مع أن هناك من يستغل اللبس العسكري- مثلا- في التحايل علي الناس واستغلاله
فيما لا يسمح له، فهل يصلح أن يكون ذلك مبررا لإلغاء الزي العسكري؟
بل لم نسمع في يوم من الأيام من يقول ذلك مع أن الإساءات قد تكررت فيه.
ومن قبيل هذه المزاعم والافتراءات على الحجاب، قول قائلهم: إن العباءة
تحولت إلى فخ أو قيد.. بل "كلبشة" شديدة الاتقان. وقوله: قد تحول الستر
إلى قيد محكم "أو حبل مشنقة".
وذلك عندما قضى الله أن تتوفى طالبة بسبب انغلاق باب السيارة على طرف
العباءة كما يذكر، مع أن هذا الحادث ممكن أن يقع ويتكرر بسبب طرف الثوب أو
الفستان فهل يقال بإلغاء لبس الثياب والفساتين؟ هذا ما نخشى حدوثه!!
2- يقولون: إن عفة المرأة واستقامتها ليس في الغطاء، فكم من فتاة متحجبة
ومتسترة من جميع الوجوه ولكنها على خلق ذميم وسلوك سيء، وكم من فتاة حاسرة
سافرة لا يعرف السوء سبيلا إلى نفسها وسلوكها.
الجواب:
إن الإسلام أمر المرأة بالحجاب، وأمرها أن تكون ذات خلق ودين وصفاء سريرة،
إنه يربي التي تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الحجاب ويقول لها:{ولباس
التقوى ذلك خير ذلك}.
ولكن البشر عموما معرضون للخطأ والعصيان كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل
ابن آدم خطاء". فإذا أخطأت العفيفة المحتشمة فوقع منها سلوك مشين أوخلق
ذميم فهل تعاب على ذنبها وتقصيرها أم على حجابها؟
ثم إن الحجاب لا يستلزم أن لا تلبسه إلا من كانت نقية تقية، بل على المرأة
أن تطيع ربها في لبس الحجاب وفي سائر ما أمرت به، فلو قصرت في شيء من ذلك
استحقت الذم والإثم، ولا تكون أبدأ طاعتها مبررا لإساءتها وتقصيرها كما
يقولون في شبهتهم.
ثم يقال لهم: هل المطلوب أن تكون المسلمة إما محجبة سيئة السلوك أو سافرة
حسنة السلوك؟ ألا يمكن أن تجمع بين الحسنيين فتكون محجبة، حسنة السلوك؟ بل
هذا هو الأصل الذي ينبغي أن تطمح إلى تحقيقه كل مسلمة، وتسعى لإكماله في
نفسها وفي أخواتها المسلمات بدلا من أن تقف راضية عن نفسها في نقصها،
مزرية للأخريات في قصورهن.
3- ومن ذلك أيضا: من تحتج على تساهلها في حجابها بفعل بعض النساء الخيرات
اللاتي يتساهلن في لبس العباءة أو لا يتحرزن في تغطية الوجه، بلبس النقاب
الواسع الفتحات مثلا، وقد يكون أولئك النساء زوجات أو بنات لرجال صالحين.
وهذا المبرر الذي نسمعه من بعض النساء يكتنفه الهوى والشهوة، وهي تعلم
أنها ليست على صواب، فبعض النساء الخيرات يفرطن بالحجاب الكامل جهلا منهن
بحكمه، والبعض الآخر قد يكن نساء متمردات على أزواجهن الصالحين.
فلا يجعل أبدا تقصيرهن حجة، بل المقطوع به عند المسلمين جميعا أن تصرفات
الآخرين لابد أن توزن- صحة وبطلانا- بميزان الحكم الإسلامي. وليس الحكم
الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، فهو كما يقولون (لا تعرف
الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله)، وعلى ضوء هذه القاعدة ينبغي أن
يسير المسلم في طاعة ربه غير متأثرا بأفعال الآخرين الباطلة مهما كانوا.
ثم لماذا لا نعتجر بفعل الجمهرة العظيمة من النساء المصونات العفيفات ونجعله حجة لنا بدلا من جعل حجتنا قلة شاذة في الصالحات؟
وهذه الجمهرة ليست فحسب في وقتنا الحاضر بل هي قائمة على مر عصور التاريخ
الإسلامي، وإليك أقوال علماء عاصروا أزمنة شتى، يخبرون عن واقع حجاب
المرأة المسلمة:
- يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
(لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج).
- والإمام ابن رسلان رحمه الله يقول:
(اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات).
- ويقول ابن حجر رحمه الله:
(إن النساء كن يخرجن إلى المساجد والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال).
4- قول القائل: إن لبس الحجاب المستوفي للشروط في البلاد التي ليس فيها
نساء يتحجبن كذلك أو لا يتحجبن مطلقا من الشهرة المذمومة شرعا.
هذه الشبهة بنيت على الجهل بمفهوم الأحكام، وعلى هذا يكون الرد عليهم
بإيضاح مفهوم لباس الشهرة المحرمة شرعا، إذ هو كل ثوب يقصد به الاشتهار
بين الناس، سواء كان الثوب نفيسا غاليا طلبا للتفاخر والكبر، أو وضيعا
رخيصا إظهارا للزهد والقناعة، يريد أن يرفع الناس إليه أبصارهم.
فيكون مدار اعتبار الثوب ثوب شهرة من عدمه إنما هو على النية والقصد،
فيكون الواجب في لبس الحجاب في البيئة التي يشذ فيها الحجاب النية الصحيحة
المتوجهة لله خالصة.
ونحن إذا تمسكنا بحجابنا بين أهل التبرج لا نقصد الاشتهار بل نقصد طاعة
الله تعالى والتمسك بقوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا
يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
وكذلك لا يكون الثوب ثوب شهرة محرم إلا إذا كان أهل البلدة مستقيمين على
طاعة الله ورسوله، أما إذا فسدت فطرتهم وانحرفوا عن الجادة، فلا نجاريهم
في ضلالهم بحجة عدم الاشتهار.
واعتبار الحجاب ثوب شهرة مذموماً ينبغي طرحه من أعجب العجب!! إذ كيف يكون
التمسك بالآيات والنصوص النبوية شهرة وشذوذاً، وإتباع سبيل الإفرنج
والكفار والمستهترين يعد إلفاً واعتدالاً.
إنه الهوى قاتله الله {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىمن الله}.
الشبهة السادسة:
يقولون: العباءة تشمل جميع ما يلبسنه نساء اليوم عند خروجهن بما في ذلك
الكابات والعباءات الفرنسية وما شابهها، فالكل عباءة وليس بينها فرق في
غرض الستر مع عباءة الرأس المحتشمة.
وهذه من الأغاليط المشهورة عند النساء المغرمات بلبس العباءات المجملة والمنمقة والملففة.
ونرد عليهن بقولنا:
لا تنخدعي بالأسماء والشعارات وإنما انظري لحقائقها ومسمياتها.
فالجميع يسمي ما تلبسه النساء اليوم عند خروجهن "عباءة"ولكن هل كلها بحق عباءة؟
وفصل الجواب في ذلك يكون بعرض ما يسمى عباءة على الشروط الشرعية الواجب
توفرها في حجاب المرأة عند خروجها، فإن استوفت الشروط فهي عباءة، وإذا نقص
فيها من الشروط شيء فلا يستحق أن تسمى عباءة بل هي تماماً ما يسميه البعض
(موضة).
وعلى هذا يجدر بنا أن نعرض شروط الحجاب الشرعي، ولكن قبل ذلك نعرض سؤالا
لكل ذات عباءة: هل أنت مؤمنة بأن العباءة التي تلبسينها عبادة تتقربين لله
عز وجل بها؟ فإن كان الجواب بنعم فنقول لها إذا فاعتبري بهذه الشروط
واعتني بها؛ لأنها شروط عبادة تأدينها لله تعالى لا تتم إلا بها.
ومن قالت مجيبة على السؤال: لا إنما هو أمر اعتدته وألفته. فنقول لها إذن
لن تهمك الشروط الشرعية؛ لأنك في الأصل غير متعبدة لله بها، وسترضين بكل
جديد ومستحدث يكون فيها بما يتناسب مع حب الجمال والزينة لديك، وليس أدل
على ذلك مما نراه اليوم من السباق الحاد بين كثير من السفيهات في عرض
أزياء لما يسمونه عبايات- زعموا-.
أما الشروط فهي باختصار:
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
النص :
مقدمة
من المعلوم أن الصراع قائم بين ابن آدم والشيطان، وهو صراع قديم ومستمر
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالشيطان يأتي الإنسان من مواطن الضعف
فيه فيغويه، ويمنيه، ويوسوس له حتى يستجيب، فيقع في المحظور. وقصة آدم
وحواء مع إبليس هي أول وأكبر دليل على ذلك، فتمثلت غوايته في كشف السوءات،
وهتك الأستار، وبذلك ينكشف لنا أن هذا هدف مقصود له لما يترتب عليه من
الأضرار الخطيرة كإشاعة الفاحشة، وحصول الخوف على الأعراض والأنفس، ومن ثم
حذرنا الله عز وجل من هذه الفتنة خاصة فقال جل وعلا: {يا بني ءادم لا
يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما
سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء
للذين لا يومنون} [الأعراف: 27].
ومن هنا يتبتن أن إبليس هو رائد الدعوة إلى كشف العورات، وهو المؤسس الأول
لدعوة التبرج بدرجاتها المتفاوتة، بل هو الزعيم الأول لشياطين الإنس
الداعين إلى "تحرير المرأة" من الستر والصيانة والعفاف، الذين يبثون شبهات
التبرج والسفور التي يلقيها الشيطان في قلوبهم فينشرونها في طريق المسلمين
أشواكا تؤذي، وكلاليباً تخطف، يقع فريستها الكثير، فلا ينجو منها إلا من
رحم الله، وتسلح بسلاح العلم الشرعي وتزود بزاد التقوى.
وقبل أن أبدأ ببيان بعض هذه الشبه والعلائق الشيطانية والرد عليها وكشف
عورها، أجد من الجدير أن تذكر مفهوم الحجاب وما يضاده، فالحجاب هو (ستر
جسم المرأة وزينتها عن أنظار الرجال غير المححارم لها) وضده التبرج الذي
هو (إبداء المرأة زينتها ومحاسن جسمها، ويدخل في ذلك التكسر والتبختر في
المشية وإظهار الزينة المكتسبة، وقيل: إنها كل زينة تحلو المرأة
بإظهارها في أعين الرجال)، أما السفور فهو (كشف الوجه) وهو جزء من التبرج،
وعلى هذا فالحجاب يقابل التبرج بجميع صوره بما في ذلك السفور، وعموماً أي
زينة أخلت بشرط من شروط الحجاب تعتبر من التبرج المحرم. والتبرج متفق على
تحريمه في كل المذاهب وأقوال أهل العلم.
هناك شبه عامة وحجج واهية يتحجج بها أصحاب الأهواء والجهالات للتفلت من
بعض الأحكام والتنصل من تنفيذها، نبدأ بذكرها والرد عليها، ثم نذكر بعض
الشبه التي تتعلق بالحجاب الشرعي خاصة.
الشبهة الأولى:
قول البعض: (الدين يسر، ولبس الحجاب في هذا الزمن بطريقته المشروعة شيء صعب وشاق، خصوصاً في مجتمعات الانفتاح والتبرج).
والرد على هذه الشبهات من وجوه:
1- ينبغي أن يعلم أن كل ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخل في مقدورهم وطاقتهم.
2- أن تقرير خاصية التيسير للمشقة المرتبطة بالحكم ورفع الحرج لا يكون إلا
بأدلة شرعية من القرآن أو السنة، فلابد للتخفيف في الحكم الشرعي ألا يكون
مخالفاً لكتاب ولا سنة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
3- بناء على هذه الشبهة سيقال: إن مشقة التحرز من الربا في هذا العصر
تقتضي جواز التعامل به، أو يقال: إن الرجم يسقط عن الحاج لمشقة الزحام،
ومعلوم أن هذا كلام باطل لا يمكن أن يقال به.
4- أن العبادات لا تنفك عن المشقة غالباً غير أنها محتملة تتلاءم مع طاقة
الإنسان العادية، قال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} قال ابن
القيم: "إن كانت المشقة مشقة تعب، فمصالح الدنيا والآخرة منوطة بالتعب ولا
راحة لمن لا تعب له، بل على قدر التعب تكون الراحة ".
ورب حكم شرعي مصلحته مرتبطة بما فيه من المشقة والجهد كالقصاص والحدود، بل
هناك عبادات عظيمة لا تنفك عنها المشقة عادة كمشقة الوضوء في البرد، ومشقة
الصوم في شدة الحر وطول النهار، وكمشقة أعمال الحج.
5- أن عموم البلوى بالأمر الذي ثبت تحريمه ليس مبرراً لإباحته كما لا تبيحه عادات المجتمعات، ولا ينقلب مباحاً بتغير الزمان والمكان.
وقد فهم بعض السذج مدعي الثقافة، أنه ما دامت أعراف الناس متطورة بتطور
الأزمان فلابد أن تكون الأحكام الشرعية متطورة بتطورها، وهذا ما يسمونه ب
(الدين العصري)، ومقتضى ذلك التحلل من الواجبات وإباحة بعض المحرمات،
تمشياً مع التقدم الحضاري والتطور العصري، كما يقول قائلهم.
ولا ريب أن هذا كلام يتبين سقوطه وبطلانه لمن كان عنده أدنى فقه في الدين،
إذ لو أن هذا الكلام مقبول لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهيناً
لأعراف الناس وعاداتهم التي لا يزال يطغى عليها الفساد والانحراف بمرور
الزمان، إذ لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه كما أخبر بذلك المصطفى صلى
الله عليه وسلم .
ولكن يقال: ما أبرم حكمه وثبت الأمر به بدليل شرعي فإن حكمه يبقى ما بقيت
الدنيا ولا يتبدل ولا يتطور، مثال ذلك الطهارة وأحكام الصلاة والقصاص
والحدود، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب واشتراط الولي للمرأة وما شابه
ذلك.
أما الأحكام التي لم يقض فيها بحكم مبرم شرعي، وإنما جعلت مرتبطة من أصلها
بما قد يتبدل من أعراف الناس ومصالحهم فهذا الذي يجوز أن يقال فيه (العادة
محكمة) مثال ذلك: ما تفرضه سنة الخلق وطبيعة الإنسان مما لا دخل للإرادة
والتكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس
ونحوها.
الشبهة الثانية:
أن يقال: أهم شيء سلامة النية، فتقول السافرة: أنا واثقة من نفسي وأنا لا أريد فتنة الرجل وقصدي سليم من كل ما يقال في التبرج وأهله.
والتعلل بسلامة النية مبرر يسمع دائمأ ممن تشبع قلبها بالشهوات والأهواء، ووقعت في المآثم، والرد عليها من وجوه:
1- أنها متعبدة لله عز وجل بالستر والحجاب الذي جاء الأمر به محكماً في
كتاب الله تعالى، فعليها أن تسمع وتطيع، بقطع النظر عن أي اعتبار آخر.
2- أن النية السليمة لا تبرر العمل المحرم كما لا تقلبه مباحاً، فالعمل
الخطأ يبقى خطأ يأثم فاعله، ولو مع سلامة النية، بدليل أن مشركي العرب
كانت نيتهم في عبادتهم الأوثان نية حسنة كما أخبر الله عز وجل عن قولهم
(ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فلم تنفعهم هذه النية في دفع وصف
الشرك عنهم.
3- أنها وإن أمنت الفتنة على نفسها- كما تدعى أنها واثقة من نفسها- فهي لا
تأمن الفتنة الحاصلة لمن نظر إليها، وهذا يغلب على الظن وقوعه؟ فتحمل وزر
فتنته وغوايته من حيث لا تشعر، ومن هنا قال العلماء: (من تحققت من نظر
أجنبي عنها يلزم ستر وجهها عنه، كانت معينة له على الحرام فتأثم).
4- ثم إنه يغتر ويتأثر بفعلها السفيهات وصغيرات السن، لاسيما إذا كانت في مقام القدوة كالأم والمعلمة.
5- وإن كانت النية الطيبة أمر مهم جداً في عمل الإنسان، ولكن لو اقتصر
عليها لكان كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد، إذ لا بد من
موافقة الشرع في ذلك.
الشبهة الثالثة:
أن تقول: أستحي من لبس الحجاب بصورته المطلوبة- من إدناء العباءة من الرأس وستر الوجه والأطراف.
- يقال لهذه المرأة: أهل المعاصي يتبجحون بمعاصيهم وتبرجهم، وأهل الحق
يستحيون مما هم عليه، والله إنها لمصيبة عظيمة تدل على غياب العزة بالدين
وضعف الولاء لله تعالى، فهذه هزيمة من الداخل، تلجأ فيها المرأة إلى لبس
ما يرغبه الناس ويحبونه، ولو خالف ما تعلم أنه من واجبات دينها ومن حق
ربها عليه.
وهذا نوع رياء- كما وصفه أهل العلم- رياء أهل الدنيا، وهو التجمل للناس والتحسن أمامهم بظاهر لا يرضي الله تعالى.
الشبهة الرابعة:
أن تقول السافرة: غطاء الوجه من أجل الحياء فقط وليس مطلوباً في الدين.
وهنا يقال لها: أو تظنين الحياء ليس ديناً؟
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والحياء شعبة من شعب الإيمان ".
فالحياء خلق إيماني يمنع المؤمن من ارتكاب المعاصي خوفاً من الله تعالى،
وهو رأس كل الفضائل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"
وقال: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة".
فبين الذنوب وبين قلة الحياء تلازم من الطرفين،وكل منهما يستدعي الآخر
ويطلبه حثيثاً، ولقد أبرز القرآن الكريم خلق الحياء في ابنتي الرجل الصالح
في قوله تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}، قال عمر بن الخطاب رضي
الله عنه: (ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة، ولكن جاءت مستترة، قد وضعت
كم درعها على وجهها استحياء) والسلفع المرأة السليطة الجريئة. فلذلك وجب
على المسلمين أن يعودوا بناتهم على الحياء، والتخلق بهذا الخلق الذي
اختاره الله تعالى لدينه القويم؛ لأن عدم الحياء علامة على زوال الإيمان.
الشبهة الخامسة:
يطلق بعض أنصار السفور والتبرج على الحجاب والستر الكامل بعض الأوصاف
والأراجيف، الهدف منها تنفير المسلمات منه، وترسيخ روح الاشمئزاز
والكراهية من التجلبب والعفاف، منها قولهم:
1- أنه يسهل عملية إخفاء الشخصية، وقد يتستر وراءه بعض النساء اللواتي
يقترفن الفواحش ويتعاطين الآثام، فأصبح عندهم الحجاب بصورته الشرعية
مشبوهاً وعرضة للتهمة.
الرد على هذه الشبهة:
قبل أن نجيب على هؤلاء نذكرهم بقول الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين
والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما ميينا} [الأحزاب:
58] ثم يجاب على هذا الإرجاف بأنه لا يمكن بأي حال أن يسوقنا هذا التخوف
المحتمل من سوء استخدام الغطاء والحجاب واستغلاله في الأغراض المحرمة إلى
أن نتخفى عن أمر أمرنا الله عز وجل به.
وإذا حاولت فاسقة مستهترة أن تواري عن أعين الناس صنيعها بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة، فما ذنب الحجاب؟
مع أن هناك من يستغل اللبس العسكري- مثلا- في التحايل علي الناس واستغلاله
فيما لا يسمح له، فهل يصلح أن يكون ذلك مبررا لإلغاء الزي العسكري؟
بل لم نسمع في يوم من الأيام من يقول ذلك مع أن الإساءات قد تكررت فيه.
ومن قبيل هذه المزاعم والافتراءات على الحجاب، قول قائلهم: إن العباءة
تحولت إلى فخ أو قيد.. بل "كلبشة" شديدة الاتقان. وقوله: قد تحول الستر
إلى قيد محكم "أو حبل مشنقة".
وذلك عندما قضى الله أن تتوفى طالبة بسبب انغلاق باب السيارة على طرف
العباءة كما يذكر، مع أن هذا الحادث ممكن أن يقع ويتكرر بسبب طرف الثوب أو
الفستان فهل يقال بإلغاء لبس الثياب والفساتين؟ هذا ما نخشى حدوثه!!
2- يقولون: إن عفة المرأة واستقامتها ليس في الغطاء، فكم من فتاة متحجبة
ومتسترة من جميع الوجوه ولكنها على خلق ذميم وسلوك سيء، وكم من فتاة حاسرة
سافرة لا يعرف السوء سبيلا إلى نفسها وسلوكها.
الجواب:
إن الإسلام أمر المرأة بالحجاب، وأمرها أن تكون ذات خلق ودين وصفاء سريرة،
إنه يربي التي تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الحجاب ويقول لها:{ولباس
التقوى ذلك خير ذلك}.
ولكن البشر عموما معرضون للخطأ والعصيان كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل
ابن آدم خطاء". فإذا أخطأت العفيفة المحتشمة فوقع منها سلوك مشين أوخلق
ذميم فهل تعاب على ذنبها وتقصيرها أم على حجابها؟
ثم إن الحجاب لا يستلزم أن لا تلبسه إلا من كانت نقية تقية، بل على المرأة
أن تطيع ربها في لبس الحجاب وفي سائر ما أمرت به، فلو قصرت في شيء من ذلك
استحقت الذم والإثم، ولا تكون أبدأ طاعتها مبررا لإساءتها وتقصيرها كما
يقولون في شبهتهم.
ثم يقال لهم: هل المطلوب أن تكون المسلمة إما محجبة سيئة السلوك أو سافرة
حسنة السلوك؟ ألا يمكن أن تجمع بين الحسنيين فتكون محجبة، حسنة السلوك؟ بل
هذا هو الأصل الذي ينبغي أن تطمح إلى تحقيقه كل مسلمة، وتسعى لإكماله في
نفسها وفي أخواتها المسلمات بدلا من أن تقف راضية عن نفسها في نقصها،
مزرية للأخريات في قصورهن.
3- ومن ذلك أيضا: من تحتج على تساهلها في حجابها بفعل بعض النساء الخيرات
اللاتي يتساهلن في لبس العباءة أو لا يتحرزن في تغطية الوجه، بلبس النقاب
الواسع الفتحات مثلا، وقد يكون أولئك النساء زوجات أو بنات لرجال صالحين.
وهذا المبرر الذي نسمعه من بعض النساء يكتنفه الهوى والشهوة، وهي تعلم
أنها ليست على صواب، فبعض النساء الخيرات يفرطن بالحجاب الكامل جهلا منهن
بحكمه، والبعض الآخر قد يكن نساء متمردات على أزواجهن الصالحين.
فلا يجعل أبدا تقصيرهن حجة، بل المقطوع به عند المسلمين جميعا أن تصرفات
الآخرين لابد أن توزن- صحة وبطلانا- بميزان الحكم الإسلامي. وليس الحكم
الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، فهو كما يقولون (لا تعرف
الحق بالرجال، ولكن اعرف الحق تعرف أهله)، وعلى ضوء هذه القاعدة ينبغي أن
يسير المسلم في طاعة ربه غير متأثرا بأفعال الآخرين الباطلة مهما كانوا.
ثم لماذا لا نعتجر بفعل الجمهرة العظيمة من النساء المصونات العفيفات ونجعله حجة لنا بدلا من جعل حجتنا قلة شاذة في الصالحات؟
وهذه الجمهرة ليست فحسب في وقتنا الحاضر بل هي قائمة على مر عصور التاريخ
الإسلامي، وإليك أقوال علماء عاصروا أزمنة شتى، يخبرون عن واقع حجاب
المرأة المسلمة:
- يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
(لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج).
- والإمام ابن رسلان رحمه الله يقول:
(اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات).
- ويقول ابن حجر رحمه الله:
(إن النساء كن يخرجن إلى المساجد والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال).
4- قول القائل: إن لبس الحجاب المستوفي للشروط في البلاد التي ليس فيها
نساء يتحجبن كذلك أو لا يتحجبن مطلقا من الشهرة المذمومة شرعا.
هذه الشبهة بنيت على الجهل بمفهوم الأحكام، وعلى هذا يكون الرد عليهم
بإيضاح مفهوم لباس الشهرة المحرمة شرعا، إذ هو كل ثوب يقصد به الاشتهار
بين الناس، سواء كان الثوب نفيسا غاليا طلبا للتفاخر والكبر، أو وضيعا
رخيصا إظهارا للزهد والقناعة، يريد أن يرفع الناس إليه أبصارهم.
فيكون مدار اعتبار الثوب ثوب شهرة من عدمه إنما هو على النية والقصد،
فيكون الواجب في لبس الحجاب في البيئة التي يشذ فيها الحجاب النية الصحيحة
المتوجهة لله خالصة.
ونحن إذا تمسكنا بحجابنا بين أهل التبرج لا نقصد الاشتهار بل نقصد طاعة
الله تعالى والتمسك بقوله تعالى: (يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا
يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
وكذلك لا يكون الثوب ثوب شهرة محرم إلا إذا كان أهل البلدة مستقيمين على
طاعة الله ورسوله، أما إذا فسدت فطرتهم وانحرفوا عن الجادة، فلا نجاريهم
في ضلالهم بحجة عدم الاشتهار.
واعتبار الحجاب ثوب شهرة مذموماً ينبغي طرحه من أعجب العجب!! إذ كيف يكون
التمسك بالآيات والنصوص النبوية شهرة وشذوذاً، وإتباع سبيل الإفرنج
والكفار والمستهترين يعد إلفاً واعتدالاً.
إنه الهوى قاتله الله {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدىمن الله}.
الشبهة السادسة:
يقولون: العباءة تشمل جميع ما يلبسنه نساء اليوم عند خروجهن بما في ذلك
الكابات والعباءات الفرنسية وما شابهها، فالكل عباءة وليس بينها فرق في
غرض الستر مع عباءة الرأس المحتشمة.
وهذه من الأغاليط المشهورة عند النساء المغرمات بلبس العباءات المجملة والمنمقة والملففة.
ونرد عليهن بقولنا:
لا تنخدعي بالأسماء والشعارات وإنما انظري لحقائقها ومسمياتها.
فالجميع يسمي ما تلبسه النساء اليوم عند خروجهن "عباءة"ولكن هل كلها بحق عباءة؟
وفصل الجواب في ذلك يكون بعرض ما يسمى عباءة على الشروط الشرعية الواجب
توفرها في حجاب المرأة عند خروجها، فإن استوفت الشروط فهي عباءة، وإذا نقص
فيها من الشروط شيء فلا يستحق أن تسمى عباءة بل هي تماماً ما يسميه البعض
(موضة).
وعلى هذا يجدر بنا أن نعرض شروط الحجاب الشرعي، ولكن قبل ذلك نعرض سؤالا
لكل ذات عباءة: هل أنت مؤمنة بأن العباءة التي تلبسينها عبادة تتقربين لله
عز وجل بها؟ فإن كان الجواب بنعم فنقول لها إذا فاعتبري بهذه الشروط
واعتني بها؛ لأنها شروط عبادة تأدينها لله تعالى لا تتم إلا بها.
ومن قالت مجيبة على السؤال: لا إنما هو أمر اعتدته وألفته. فنقول لها إذن
لن تهمك الشروط الشرعية؛ لأنك في الأصل غير متعبدة لله بها، وسترضين بكل
جديد ومستحدث يكون فيها بما يتناسب مع حب الجمال والزينة لديك، وليس أدل
على ذلك مما نراه اليوم من السباق الحاد بين كثير من السفيهات في عرض
أزياء لما يسمونه عبايات- زعموا-.
أما الشروط فهي باختصار:
1- أن يستوعب جميع البدن، فلا يبدو منه عضو.
2- ألا يكون زينة في نفسه فلا يكون مزخرفا ولا مطرزا ولا ملونا.
3- أن يكون صفيقا- أي كثيفا- لا يشف فيبدو من تحته الجسم والزينة.
4- أن يكون فضفاضا لا يصف حجم الأعضاء والجسم.
5- ألا يكون مبخرا ولا مطيبا.
6- ألا يشبه لباس الرجال.
7- ألا يشبه لباس الكافرات.
8- ألا يكون لباس شهرة.
رد: الموضوع : شبهات وأقاويل حول الحجاب
فإن خلت العباءة من أحد هذه الشروط فهي نوع تبرج يخالف الشرع.
إذا التبرج كما عرفه العلماء: (هو كل زينة أو تجمل تظهره المرأة تحلو به
في أعين الأجانب، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان
البراقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين، فهو من مظاهر تبرج
الجاهلين).
وما نراه اليوم من مظاهر الفتنة والعصيان فيما يسمى بالعباءة المزعومة
التي يلبسها كثير من النساء عند خروجهن، وقد لفتها على بدنها فأبرزت
مفاتنها، وأخرجت ذراعيها من خلال تلك الأكمام الواسعة، ثم زينتها بأنواع
الزينة الرائقة فهي من قبيل ذلك التبرج المحرم. وما هن إلا كما وصفهن
الشاعر بقوله:
إن ينتسبن إلى الحـجاب فإنـه نسب الدخيل
أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول؟
خل الحـجاب معاذها من ذلك الداء الوبيل
ولو أن كل امرأة مسلمة التزمت درجة الحجاب المثلى عند احتياجها للخروج من
بيتها لما كان لكثير من الفتن مكان في حياتنا، ولسلمنا على أعراضنا
وشبابنا.
ثم نذكر أخواتنا الملتفات بتلك العباءات بحديث النبي صلى الله عليه وسلم
المذكور في السلسلة الصحيحة في قوله عليه السلام: "خير نسائكم الودود
الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات
المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة هن إلا مثل الغراب الأعصم "
والغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين. وقيل: الأبيض الرجلين. وقيل: هو أحمر
المنقار والرجلين، وهذا الوصف في الغربان قليل، وهذا الوصف كناية عن قلة
من يدخل الجنة من النساء؛ وذلك لكثرة تلبسهن بتلك الأوصاف- عافانا الله
منها ومن النار. ثم لتستمع تلك المرأة التي ألصقت العباءة بجسدها غير آبهة
بما يبرز منه، إلى موقف المؤمنات الصادقات اللاتي كانت إحداهن تستقبح أن
يصف الثوب جسدها بعد موتها عندما تطرح على النعش، فتقدم بين يدي الرجال
ليصلى عليها، فتبحث عن طريقة لستر وصف جسدها وهي ميتة فكيف بالله تظنين
كان حرصها على ذلك في حياتها؟.
فتروى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
(يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع النساء أن يطرح على المرأة الثوب
فيصفها) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله، أريك شيئاً رأيته بالحبشة!! فدعت
بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: (ما أحسن هذا
وأجمله).
كثيراً ما نواجه من النساء الجاهلات من تقول: أعطوني دليلاً على أنه لا
يجوز لبس عباءة الكتف، وأنه لا بد أن تكون العباءة على الرأس .
فهذه يقال لها: هل أنت طالبة للحق أم طالبة للمستحيل؟
فإن قالت: أنا طالبة للحق، فيقال لها: قد وجدتيه في الضوابط والشروط التي
ذكرت في حجاب المرأة المسلمة، والذي جاءت بها الأدلة، وقد وجدتيه أيضاً في
فتاوى العلماء الأثبات الثقات، الذين أمرنا الله بطاعتهم فقال جل وعلا: {
يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
فإن لم تكن طالبة للحق فهي طالبة للمستحيل، وهو إتيانها بمنطوق آية أو حديث في ذلك الأمر.
فنقول لها: إن الإنسان الذي يعلق استجابته بأمر مستحيل هو صاحب هوى لن
يستجيب أبداً ولو تحقق له هذا المستحيل؛ لأن تعليق الاستجابة على الأمر
البعيد يدل على عدم صحة الرغبة وصدوا الطلب للحق، بل يدل على التعنت
والعناد، كما كانت مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم بطلب أمور محالة خارجة
عن المألوف مقابل استجابتهم تعنتاً وعناداً، فلما حصلت لهم لم يؤمنوا بها.
وفي مثل ذلك يقول الله تعالى: {فإن لم يستتجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون
أهواءهم }.
الشبهة السابعة:
الكثير يحتج بحجة تدل على جهله بأدلة الحجاب من جهة ومن جهة أخرى جهله بما
اتفق عليه علماء المذاهب في وجوب غطاء الوجه في زمن كثرة الفتن والفساد،
وهذا الزمن الذي نعيشه أولى بهذا الوصف.
الحجة تقول: (إن غطاء الوجه مسألة خلافية بين أهل العلم).
الجواب من عدة جوه:
1- على المسلم الصادق أن يتحرى الصواب في المسائل والأحكام بالبحث عن
الحجة الأقوى وترك إتباع الهوى والاستعانة بالله تعالى للدلالة على الحق
والقيام به، ومن قام بذلك كله فإنه لا محالة سيوفق إلى الحق وييسر له
سبيله كما قال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيرا مما أخذ
منكم ويغفر لكم}.
ومن كان غير ذلك فهو ممن قال تعالى فيهم: !الو أؤ!بهث آللأين لؤييرب أدئه
آن ظفرقلوبهؤ!و وقال تعالى عنهم: !و قلن تضلف تل! مئ آلئو شتئأ!و، إذ حجة
(المسألة خلافية) تبناها كثير من الناس اليوم في عبادتهم، فظفروا بمرادهم
وأهوائهم في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ، أو فهم خاطئ، دون أي
اعتبار لمخالفة ذلك القول لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
دواء شافياً عند داء الاختلاف وذلك في قوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).
ولقد جعل الله تعالى الإجماع حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده وهو الاختلاف حجة أيضاً!!!.
ومن تتبع في دينه الرخص والاختلافات الشاذة، فإنه سيؤدي إلى نقص عبوديته
ورقة دينه، بل ربما إلى ذهابه بالكلية، كما قد قيل: من تتبع الرخص فقد
تزندق، أي خرج عن الدين.
2- أن الواقع المؤكد والمنقول أن نساء الإسلام ظللن محجبات خلال مراحل
التاريخ الإسلامي، ونقولات أهل العلم التي ذكرناها خلال الموضوع تؤكد أن
الالتزام بالحجاب كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب والأمة تبرز".
وعن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب
هكذا، تنقبت به، فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {والقواعد من
النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير
متبرجات بزينة } قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وأن يستعففن خير
لهن} فتقول: هو إثبات الحجاب "
3- نستطيع أن نلخص مجموع أقوال علماء المذاهب الأربعة في مسألة حجاب
المرأة بأنهم متفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب سواء
منهم من يرى أن الوجه والكفين عورة، أو من يرى أنهما غير عورة، لكنه يوجب
تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس، ورقة دينهم أو عدم تورعهم عن
النظر المحرم إلى المرأة.
يقول الشيخ محمد المقدم حفظه الله في كتابه (عودة الحجاب) (1): (اتفق
جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين عند
المرأة سداً لذرائع الفساد وعوارض الفتن).
أخيراً:
فبعد إيراد بعضاً من الشبهات التي يثيرها أنصار السفور والتبرج. نقول لصاحبة (حجاب التبرج)!
حذار أن تصدقي أن حجابك هذا هو الذي أمر به القرآن والسنة، أو أن تغتري
بأنك أحسن حالاً من صاحبات التبرج الصارخ؛ فإنه لا أسوة في الشر، فالنار
دركات بعضها أسفل من بعض.
وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا من أرباب الأغراض الشيطانية، والمصالح
الشهوانية، والمنافع المادية، ممن يخطط للحجاب المتبرج وينفذه ويعرضه
ويبيع ويشتري فيه، فهؤلاء أشبه باليهود والنصارى الذين عصوا الله ورسوله
وقابلوا أمر الله ونهيه بقولهم {سمعنا وعصينا} وقول الله تعالى فيهم
{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} فهؤلاء كأنهم لم ينزل فيهم قرآناً
يتلى، كأنهم لم يسمعوا قوله {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء
المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} وقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما
ظهر منها} وقوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وكأن الآيات
نزلت على قوم آخرين غير نساء المسلمين.
ثم نوجه كلمة للأخت المباركة التي حافظت على أمر ربها- حفظها الله وثبتها-
نقول لها: طيبي خاطراً وقري عيناً ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لك
ولأمثالك ممن صبرن وصابرن في سبيل الله "طوبى للغرباء" قيل: ومن الغرباء
يارسول الله؟ قال: "ناس صالحون في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن
يطيعهم " فأنت تسمعين في مجتمع يسوده التفريط والتبرج من يقول لك: شكلك
غريب وشاذ، فاصبري وصابري واثبتي في مواجهة الفتن، فإنما هي أيام قلائل
وبعدها ترفلين بنعيم الجنة وحلل الكرامة برحمة الله تعالى. روي عن الحسن
البصري رحمه الله أنه قالى: (إذا نظر الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله
فبغاك وبغاك- أي طلبك مرة بعد مرة- فرآك مداوماً، ملك ورفضك، وإذا كنت مرة
هكذا ومرة هكذا طمع فيك).
ومسك الختام ما ختم الله عز وجل به الآيات الآمرة بالحجاب بقوله جل وعلا:
{وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } (النور: 31).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
إذا التبرج كما عرفه العلماء: (هو كل زينة أو تجمل تظهره المرأة تحلو به
في أعين الأجانب، حتى القناع الذي تستتر به المرأة إن انتخب من الألوان
البراقة، والشكل الجذاب لكي تلذ به أعين الناظرين، فهو من مظاهر تبرج
الجاهلين).
وما نراه اليوم من مظاهر الفتنة والعصيان فيما يسمى بالعباءة المزعومة
التي يلبسها كثير من النساء عند خروجهن، وقد لفتها على بدنها فأبرزت
مفاتنها، وأخرجت ذراعيها من خلال تلك الأكمام الواسعة، ثم زينتها بأنواع
الزينة الرائقة فهي من قبيل ذلك التبرج المحرم. وما هن إلا كما وصفهن
الشاعر بقوله:
إن ينتسبن إلى الحـجاب فإنـه نسب الدخيل
أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول؟
خل الحـجاب معاذها من ذلك الداء الوبيل
ولو أن كل امرأة مسلمة التزمت درجة الحجاب المثلى عند احتياجها للخروج من
بيتها لما كان لكثير من الفتن مكان في حياتنا، ولسلمنا على أعراضنا
وشبابنا.
ثم نذكر أخواتنا الملتفات بتلك العباءات بحديث النبي صلى الله عليه وسلم
المذكور في السلسلة الصحيحة في قوله عليه السلام: "خير نسائكم الودود
الولود، المواتية، المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات
المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة هن إلا مثل الغراب الأعصم "
والغراب الأعصم هو الأبيض الجناحين. وقيل: الأبيض الرجلين. وقيل: هو أحمر
المنقار والرجلين، وهذا الوصف في الغربان قليل، وهذا الوصف كناية عن قلة
من يدخل الجنة من النساء؛ وذلك لكثرة تلبسهن بتلك الأوصاف- عافانا الله
منها ومن النار. ثم لتستمع تلك المرأة التي ألصقت العباءة بجسدها غير آبهة
بما يبرز منه، إلى موقف المؤمنات الصادقات اللاتي كانت إحداهن تستقبح أن
يصف الثوب جسدها بعد موتها عندما تطرح على النعش، فتقدم بين يدي الرجال
ليصلى عليها، فتبحث عن طريقة لستر وصف جسدها وهي ميتة فكيف بالله تظنين
كان حرصها على ذلك في حياتها؟.
فتروى عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:
(يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع النساء أن يطرح على المرأة الثوب
فيصفها) فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله، أريك شيئاً رأيته بالحبشة!! فدعت
بجرائد رطبة فحنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: (ما أحسن هذا
وأجمله).
كثيراً ما نواجه من النساء الجاهلات من تقول: أعطوني دليلاً على أنه لا
يجوز لبس عباءة الكتف، وأنه لا بد أن تكون العباءة على الرأس .
فهذه يقال لها: هل أنت طالبة للحق أم طالبة للمستحيل؟
فإن قالت: أنا طالبة للحق، فيقال لها: قد وجدتيه في الضوابط والشروط التي
ذكرت في حجاب المرأة المسلمة، والذي جاءت بها الأدلة، وقد وجدتيه أيضاً في
فتاوى العلماء الأثبات الثقات، الذين أمرنا الله بطاعتهم فقال جل وعلا: {
يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} .
فإن لم تكن طالبة للحق فهي طالبة للمستحيل، وهو إتيانها بمنطوق آية أو حديث في ذلك الأمر.
فنقول لها: إن الإنسان الذي يعلق استجابته بأمر مستحيل هو صاحب هوى لن
يستجيب أبداً ولو تحقق له هذا المستحيل؛ لأن تعليق الاستجابة على الأمر
البعيد يدل على عدم صحة الرغبة وصدوا الطلب للحق، بل يدل على التعنت
والعناد، كما كانت مواقف بني إسرائيل مع أنبيائهم بطلب أمور محالة خارجة
عن المألوف مقابل استجابتهم تعنتاً وعناداً، فلما حصلت لهم لم يؤمنوا بها.
وفي مثل ذلك يقول الله تعالى: {فإن لم يستتجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون
أهواءهم }.
الشبهة السابعة:
الكثير يحتج بحجة تدل على جهله بأدلة الحجاب من جهة ومن جهة أخرى جهله بما
اتفق عليه علماء المذاهب في وجوب غطاء الوجه في زمن كثرة الفتن والفساد،
وهذا الزمن الذي نعيشه أولى بهذا الوصف.
الحجة تقول: (إن غطاء الوجه مسألة خلافية بين أهل العلم).
الجواب من عدة جوه:
1- على المسلم الصادق أن يتحرى الصواب في المسائل والأحكام بالبحث عن
الحجة الأقوى وترك إتباع الهوى والاستعانة بالله تعالى للدلالة على الحق
والقيام به، ومن قام بذلك كله فإنه لا محالة سيوفق إلى الحق وييسر له
سبيله كما قال تعالى: {إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يؤتكم خيرا مما أخذ
منكم ويغفر لكم}.
ومن كان غير ذلك فهو ممن قال تعالى فيهم: !الو أؤ!بهث آللأين لؤييرب أدئه
آن ظفرقلوبهؤ!و وقال تعالى عنهم: !و قلن تضلف تل! مئ آلئو شتئأ!و، إذ حجة
(المسألة خلافية) تبناها كثير من الناس اليوم في عبادتهم، فظفروا بمرادهم
وأهوائهم في زلة عالم، أو رخصة متكلفة، أو قول شاذ، أو فهم خاطئ، دون أي
اعتبار لمخالفة ذلك القول لقول المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
دواء شافياً عند داء الاختلاف وذلك في قوله: "فإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين).
ولقد جعل الله تعالى الإجماع حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده وهو الاختلاف حجة أيضاً!!!.
ومن تتبع في دينه الرخص والاختلافات الشاذة، فإنه سيؤدي إلى نقص عبوديته
ورقة دينه، بل ربما إلى ذهابه بالكلية، كما قد قيل: من تتبع الرخص فقد
تزندق، أي خرج عن الدين.
2- أن الواقع المؤكد والمنقول أن نساء الإسلام ظللن محجبات خلال مراحل
التاريخ الإسلامي، ونقولات أهل العلم التي ذكرناها خلال الموضوع تؤكد أن
الالتزام بالحجاب كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب والأمة تبرز".
وعن عاصم الأحول قال: "كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب
هكذا، تنقبت به، فنقول لها: رحمك الله قال الله تعالى: {والقواعد من
النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير
متبرجات بزينة } قال: فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: {وأن يستعففن خير
لهن} فتقول: هو إثبات الحجاب "
3- نستطيع أن نلخص مجموع أقوال علماء المذاهب الأربعة في مسألة حجاب
المرأة بأنهم متفقون على وجوب تغطية المرأة جميع بدنها عن الأجانب سواء
منهم من يرى أن الوجه والكفين عورة، أو من يرى أنهما غير عورة، لكنه يوجب
تغطيتهما في هذا الزمان لفساد أكثر الناس، ورقة دينهم أو عدم تورعهم عن
النظر المحرم إلى المرأة.
يقول الشيخ محمد المقدم حفظه الله في كتابه (عودة الحجاب) (1): (اتفق
جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين عند
المرأة سداً لذرائع الفساد وعوارض الفتن).
أخيراً:
فبعد إيراد بعضاً من الشبهات التي يثيرها أنصار السفور والتبرج. نقول لصاحبة (حجاب التبرج)!
حذار أن تصدقي أن حجابك هذا هو الذي أمر به القرآن والسنة، أو أن تغتري
بأنك أحسن حالاً من صاحبات التبرج الصارخ؛ فإنه لا أسوة في الشر، فالنار
دركات بعضها أسفل من بعض.
وإياك أن تنخدعي بمن يبارك عملك هذا من أرباب الأغراض الشيطانية، والمصالح
الشهوانية، والمنافع المادية، ممن يخطط للحجاب المتبرج وينفذه ويعرضه
ويبيع ويشتري فيه، فهؤلاء أشبه باليهود والنصارى الذين عصوا الله ورسوله
وقابلوا أمر الله ونهيه بقولهم {سمعنا وعصينا} وقول الله تعالى فيهم
{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} فهؤلاء كأنهم لم ينزل فيهم قرآناً
يتلى، كأنهم لم يسمعوا قوله {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء
المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} وقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما
ظهر منها} وقوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} وكأن الآيات
نزلت على قوم آخرين غير نساء المسلمين.
ثم نوجه كلمة للأخت المباركة التي حافظت على أمر ربها- حفظها الله وثبتها-
نقول لها: طيبي خاطراً وقري عيناً ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لك
ولأمثالك ممن صبرن وصابرن في سبيل الله "طوبى للغرباء" قيل: ومن الغرباء
يارسول الله؟ قال: "ناس صالحون في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن
يطيعهم " فأنت تسمعين في مجتمع يسوده التفريط والتبرج من يقول لك: شكلك
غريب وشاذ، فاصبري وصابري واثبتي في مواجهة الفتن، فإنما هي أيام قلائل
وبعدها ترفلين بنعيم الجنة وحلل الكرامة برحمة الله تعالى. روي عن الحسن
البصري رحمه الله أنه قالى: (إذا نظر الشيطان فرآك مداوماً في طاعة الله
فبغاك وبغاك- أي طلبك مرة بعد مرة- فرآك مداوماً، ملك ورفضك، وإذا كنت مرة
هكذا ومرة هكذا طمع فيك).
ومسك الختام ما ختم الله عز وجل به الآيات الآمرة بالحجاب بقوله جل وعلا:
{وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون } (النور: 31).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء أبريل 17, 2013 11:18 am من طرف shery adel
» الحب تلك الكلمة المكونة من حرفين
الثلاثاء أبريل 16, 2013 1:39 pm من طرف shery adel
» موضوع جميل عن الصداقة ........!
الخميس أبريل 11, 2013 4:31 pm من طرف shery adel
» أنآقـــه اللسآن
السبت أبريل 06, 2013 3:07 pm من طرف shery adel
» أفضل شيء عند الشباب والبنات..
الإثنين أبريل 01, 2013 11:33 am من طرف shery adel
» كل ماسكات التبيض للبشره والجسم
السبت مارس 30, 2013 6:39 pm من طرف shery adel
» اسبوع بس وهتحصلي علي معده مشدوده وجسم مثلي
الإثنين مارس 25, 2013 4:46 pm من طرف shery adel
» لو كنت رسما
الخميس يوليو 31, 2008 2:44 pm من طرف Admin